15 فبراير 2011 شهدت ثورة أطاحت بنظام القذافي، مما أدى إلى تهجير أتباعه ومحاكمة البعض منهم وقتل أبنائه، معتصم القذافي وسيف العرب القذافي. سيف الإسلام القذافي، الابن الأكبر لمُعمر القذافي والأبرز بين أشقائه، اتُهم بارتكاب جرائم حرب وقمع المتظاهرين في ثورة 17 فبراير في ليبيا.

عائلة القذافي
بعد نجاح الثورة الليبية وسقوط حكم القذافي، تشتت عائلته وُنفِيَ العديد منهم إلى الخارج، وتم اعتقال بعضهم. محمد معمر القذافي، الابن الأكبر للقذافي والوحيد من زوجته الأولى، تم الإبلاغ عن مقتله على يد قوات القذافي، بينما أفادت تقارير أخرى بأنه لجأ إلى الجزائر كما أعلنت الحكومة الجزائرية في ذلك الوقت. عائشة القذافي خرجت من البلاد بعد اندلاع الثورة وعاشت في عمان. سيف العرب القذافي قُتل في غارة جوية من قبل حلف الناتو في منزله في طرابلس. خميس القذافي يُعتقد أنه تم اغتياله من قبل الناتو أيضاً في غارة جوية، رغم أن تقارير أخرى تشير إلى أنه لا يزال على قيد الحياة. هانيبال القذافي تم اختطافه في لبنان بسبب اختفاء موسى الصدر في ليبيا، وهو لا يزال معتقلاً حتى وقتنا الحالي بالرغم من التدخلات الدولية والمطالبات بإطلاق سراحه.

تم إصدار مذكرة اعتقال بحق سيف الإسلام القذافي من قبل المحكمة الجنائية الدولية في أغسطس 2011 بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. تم القبض عليه من قبل المجلس الوطني الانتقالي في نفس الشهر، وتم إطلاق سراحه في 2017. حكمت محكمة استئناف طرابلس عليه بالإعدام رمياً بالرصاص في 28 يوليو 2015 مع شخصيات سياسية أخرى، وذلك بتهم التحريض على الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وإساءة استخدام السلطة وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين وإلحاق الضرر بالمال العام وجلب مرتزقة لقمع ثورة السابع عشر من فبراير.
الصراع السياسي في ليبيا
يتصدر سيف الإسلام القذافي المشهد السياسي في ليبيا جنباً إلى جنب مع شخصيات بارزة أخرى مثل خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا. في ظل الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي في ليبيا مؤخراً، يسعى الجميع لإثبات أحقيتهم في تولي رئاسة ليبيا بشتى الطرق.
تشهد ليبيا انقساماً سياسياً خطيراً يهدد أمنها، حيث توجد حكومتان تتنافسان على السيطرة: الأولى حكومة تُسمى "حكومة حماد" التي تملك ولاءً ما لخليفة حفتر وتسيطر على المنطقة الشرقية، والثانية هي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تسيطر على المنطقة الغربية بما في ذلك العاصمة طرابلس. على الرغم من أن سيف الإسلام القذافي يبدو الحلقة الأضعف بين هؤلاء، إلا أنه يملك نفوذاً قوياً مدعوماً من قبل دول أخرى لتحقيق مصالحها، بالإضافة إلى ولاء بعض القبائل والمليشيات المسلحة.
بعد اختفائه لأكثر من 10 سنوات، ظهر سيف الإسلام القذافي في مقابلة مصورة مع صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 30 يوليو 2021 بعنوان "ابن القذافي حي ويريد استعادة ليبيا." في هذه المقابلة، نفى شائعات وفاته في المعتقل وأوضح أنه لم يعد سجيناً، وأن الجماعات المسلحة التي اختطفته "تحررت من وهم الثورة وأصبحت داعمة له"، حسب تعبيره. وفي المقابلة، صرح سيف الإسلام عن نيته العودة إلى الساحة السياسية واستعادة الحكم في ليبيا، وهو ما يحاول تحقيقه حالياً.
دور وسائل التواصل الاجتماعي في نجاح سيف الإسلام القذافي
من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي أثبتت تأثيرها على الشعوب في جميع المجالات، وأصبحت تعتبر أقوى وسيلة إعلامية في عصرنا الحالي، خاصة من الناحية السياسية. من خلالها انطلقت شرارة ثورات الربيع العربي عام 2011، ولا زالت تداعياتها السياسية والإنسانية والاجتماعية ظاهرة حتى الآن في العديد من الدول العربية. يعتمد السياسيون حول العالم والأحزاب والحملات الانتخابية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي يمكنها بلا شك أن تلعب دوراً مهماً في تحديد رؤساء الدول وعزل الآخرين عن الحكم.
أدرك سيف الإسلام القذافي تأثير هذه المنصات وقدرتها على تغيير الرأي العام وتشويه أو تحسين سمعة أي شخص. لذا اعتمد عليها بشكل خاص للدفاع عن مواقفه وأفعاله بعد الأحداث الدامية في 2011، حيث كان له دور كبير في مواجهة الثوار وقمع المتظاهرين. يملك سيف الإسلام وحاشيته مئات من الصفحات والحسابات النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تسعى للترويج له باعتباره "المنقذ" لليبيا من الانقسام الحالي.
أبرز الحسابات النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي
تعد بعض الحسابات البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل "أولاد عيسى"، أحمد عبد العزيز القذافي، عائشة القذافي، وقناة الجماهيرية من الحسابات النشطة التي تسعى بشتى الطرق لإعادة سيف الإسلام إلى الواجهة وجعله خياراً أمام الليبيين في ظل الفوضى السياسية في البلاد. "أولاد عيسى" هي صفحة على منصة فيسبوك تهاجم الثورة الليبية وكل من يتصدر المشهد السياسي الحالي في ليبيا. تُطلق الصفحة على نفسها "صفحة مختصة بنشر فيديوهات تكشف حقائق قد تغيب عن المواطن الليبي البسيط". تشمل هذه الحقائق صور وفيديوهات لمسؤولين ليبيين ورؤساء كانوا مجرد أشخاص عاديين في عهد القذافي أو موظفين حكوميين سابقين، وكأن لا أحد يمكنه أن يقود ليبيا بعد القذافي وعائلته. وهم يصفون الثورة بـ "ثورة الناتو" ويؤكدون أنها انقلاب خارجي بدعم أمريكي وأوروبي.

أحمد عبد العزيز القذافي هو ناشط سياسي ليبي يطلق على نفسه "أحد أولاد قبيلة القذاذفة" التي ينتمي إليها معمر القذافي. يروج أحمد من خلال بثوثه على تيك توك أو مقاطع الفيديو التي ينشرها لإنجازات القذافي وأبنائه خلال فترة حكمهم، ويحث على عودة سيف الإسلام إلى السلطة، بينما يهاجم المسؤولين وينتقد سياساتهم. لدى سيف الإسلام حسابات رسمية باسمه على وسائل التواصل الاجتماعي، يستخدمها لجمع مؤيديه ممن يرون فيه القائد المنقذ لليبيا. هو يحاول جذب الانتباه بين الحين والآخر من خلال نشر صور له من قلب الصحراء أو تسريب صور أو فيديوهات قديمة يظهر فيها مسؤولون ليبيون يحاولون التقرب منه خلال فترة حكم معمر القذافي.
الدعم الحماسي والجدل الكثير
من هؤلاء وغيرهم لا يهتمون بالحقائق الواقعية والتاريخية، ويختارون ما يناسب توجهاتهم. يطلقون على سيف الإسلام اسم "الدكتور" رغم إدانته بجرائم حرب، ويرون في ثورات الربيع العربي فساداً وخيانة، ويدعمون الأنظمة الدكتاتورية ضد حرية الشعوب. ربما كانت ليبيا قبل 2011 أفضل من ليبيا الحالية، لكن لا يمكن مقارنة دولة كانت تحت حكم رئيس موحد وهيئات رسمية مع دولة منقسمة تحكمها المليشيات. أربعون سنة تحت حكم القذافي، وحتى وإن كان الرئيس المثالي، فلا يمكنه البقاء للأبد، سواء كان هو أو غيره. ليبيا هي دولة، وليس أشخاصاً، والانتماء لها يجب أن يكون لها وليس لأحد مثل سيف الإسلام أو حفتر أو الدبيبة.