تمثل الأسلحة النووية أحد أخطر التهديدات التي تواجه البشرية، حيث تتنافس الدول على امتلاكها لتأكيد نفوذها على العالم. يمنح امتلاك الأسلحة النووية الدولة قدرة كبيرة على التأثير في مصير كوكبنا. وعلى الرغم من أن الأسلحة النووية ترتبط عادة بالقوى الكبرى والدول المتقدمة، فماذا لو كانت هذه الأسلحة موجودة في دولة نامية مثل ليبيا؟ يستكشف هذا المقال تجربة ليبيا تحت قيادة الرئيس الراحل معمر القذافي ومحاولاته لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وخاصة الأسلحة النووية، ويبحث ما إذا كان قد نجح في هذا المسعى.
طموحات ليبيا النووية
في أواخر الثمانينيات، بدأت مساعي ليبيا للحصول على الأسلحة النووية باعتبارها جهداً سلمياً يهدف إلى إنتاج الطاقة وتطوير البنية التحتية، مثل حفر القنوات والموانئ. ومع ذلك، تغيرت توجهات القذافي تدريجياً نحو استخدام البرنامج النووي لأغراض غير سلمية.
بحلول عام 1995، بدأت ليبيا الاستعداد لتطوير أسلحة نووية لأغراض غير سلمية، كرد فعل على العقوبات الغربية التي فُرضت بعد حادثة لوكربي. وفقًا لتقارير أخرى، كانت رغبة القذافي في امتلاك أسلحة نووية مدفوعة بحاجته لتحقيق توازن قوى بين الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي.
مجموعة من الخبراء الليبيين في المختبر النووي |
كانت المراحل الأولية لتطوير الأسلحة النووية الليبية محاطة بالسرية. بذل القذافي جهوداً كبيرة لإبقاء المشروع مخفياً حتى عن رئيس الوزراء الليبي ورئيس المخابرات الليبية.
بحلول عام 2002، أتم العلماء الليبيون جميع التجارب النووية، بما في ذلك تشغيل وتفكيك نظام اليورانيوم. وكان الخطوة الوحيدة المتبقية هي موافقة القذافي على إنتاج القنابل النووية، مما كان سيجعل ليبيا دولة نووية بحلول عام 2005.
المساعدات الأجنبية السرية
تلقت ليبيا دعماً سرياً من عدة دول أجنبية في مساعيها النووية:
- روسيا: كان لدى ليبيا مفاعل نووي تجريبي روسي في تاجوراء لأغراض الطاقة السلمية. ومع ذلك، رفضت روسيا مساعدة العلماء الليبيين في تشغيل هذا المفاعل لمنع انتشار الأسلحة النووية.
- كوريا الشمالية: رفضت كوريا الشمالية تقديم مساعدة مباشرة في إنتاج الأسلحة النووية، لكنها أهدت ليبيا 200 طن من اليورانيوم الجاهز للاستخدام.
- الخبراء الدوليون: استعان القذافي بعلماء أجانب ذوي خبرة في البرامج النووية، مثل العالم الألماني إميل شتالي والعالم السويسري فريدريك، اللذين كانا جزءاً من المشروع النووي الباكستاني الناجح.
شارك في المشروع النووي الليبي أكثر من 120 عالماً وفنياً ليبياً، رغم أن أربعة منهم فقط كانوا على علم بالطبيعة الحقيقية للمشروع.
في مقابلة مع موقع الأخبار الروسي "سبوتنيك"، كشف الكاتب الليبي أبو القاسم سميّدة أن محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أشاد بالبرنامج النووي الليبي. وأشار البرادعي إلى أن العلماء الليبيين كانوا متقدمين على نظرائهم العرب بـ25 عامًا، مضيفًا أن مصر كان لديها العديد من العلماء، لكنهم كانوا يركزون فقط على العمل النظري.
كما أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في مقابلة عام 2002 مع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إلى أن التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن ليبيا ستصبح أول دولة عربية تمتلك أسلحة نووية.
مفاعل تاجوراء النووي
Tajoura Nuclear Research Center |
مركز أبحاث تاجوراء النووي متخصص في التطبيقات السلمية للطاقة الذرية. بدأ المشروع في عام 1976 وافتتح رسميًا في عام 1982. يقع المركز على بعد حوالي 27 كيلومترًا شرق العاصمة طرابلس، ويشغل حوالي 300 هكتار.
تشمل خدمات المركز الحماية من الإشعاع، التحليلات الفيزيائية والكيميائية، الخدمات التعليمية والتقنية، وإنتاج مواد مثل اليود المشع، والتكنيتيوم، والموليبدينوم.
التخلي عن البرنامج النووي الليبي
في 19 ديسمبر 2003، أعلن القذافي بشكل مفاجئ تخلي ليبيا طواعية وبشكل سلمي عن برنامجها للأسلحة النووية. هناك من يعتقد أن قرار القذافي كان مدفوعًا بالخوف من مواجهة مصير مشابه لمصير صدام حسين خلال الغزو الأميركي للعراق. لكن أبو القاسم سميّدة ينفي هذا الادعاء، مشيرًا إلى أن المفاوضات مع الغرب بشأن البرنامج النووي بدأت في عام 2002، أي قبل الحرب على العراق بفترة طويلة. كما ذكر سميّدة أن هناك خططًا للاحتفال في ليبيا بالإعلان رسميًا عن كونها دولة نووية ومنح الضوء الأخضر لإنتاج اليورانيوم المخصب. ومع ذلك، لم يحضر القذافي الاحتفال، بل حضره موسى كوسا، وزير المخابرات الليبي آنذاك، الذي انشق لاحقًا عن النظام الليبي وتم تهريبه من تونس إلى لندن بمساعدة بريطانية.
وأضاف سميّدة أن فكرة التخلي عن البرنامج النووي جاءت من الجزائر. في البداية، رفض القذافي الاقتراح، لكنه قبله في نهاية المطاف مقابل رفع العقوبات الأميركية عن ليبيا واستئناف العلاقات بين واشنطن وطرابلس.
كانت عودة ليبيا إلى المجتمع الدولي ومقعدها المؤقت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من العوامل الرئيسية في اتخاذ القرار. وقد ذكر سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" أن الولايات المتحدة قدمت ضمانات أمنية لليبيا مقابل تفكيك برنامجها النووي، وأنه توقع اتفاقيات مستقبلية للتعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة.
بعد أحداث 2011 ومقتل معمر القذافي، ادعى مسؤولون كوريون شماليون أنه لو لم يتخلَ القذافي عن برنامجه النووي، لكان لا يزال على قيد الحياة اليوم.